«ما أن يُذكر اسم الشاعر السعودي المعاصر إبراهيم خفاجي حتى يتبادر إلى الذهن الشاعر الأندلسي أبو إسحق إبراهيم ابن خفاجة. ربما لم يجمع بين الشاعرين الخفاجيين الاسم فقط حيث تنتسب عائلة خفاجة كما ذكر في كتاب المختصر في نشر النور والزهر إلى خفاجة بن عمرو بن عقيل من هوازن، بل جمعتهما الشاعرية والوصف للجمال من حولهما. وكما وظف الخفاجي الأندلسي مفردة «الليل» في ديوانه ككائن، فإن «سوق الليل» في حياة إبراهيم خفاجي السعودي مكان لمسقط رأسه، وملتقى لتجاربه الأولى حيث ردد فيها فن الصهبة وهي التواشيح المكية التي كانت معظمها موشحات أندلسية لابن خفاجة، وابن زيدون، ويماني الكف، وكثير من أهازيج الفلكور الحجازي وأغانيه.
ابن مكة المكرمة.. ابن حارة سوق الليل، المولود في عام 1345هـ- 1927م وما قدمه للوطن من كلمات، وللأغنية السعودية من نكهة خاصة يستحق ذلك التكريم بأن يتقلد وسام الملك عبدالعزيز بوصفه الشخصية الثقافية لهذا العام في مهرجان الجنادرية 27، ويستحق الإشادة بمشواره الطويل مع الكلمة المغناة بدءًا من «يا ناعس الجفن» مرورًا بـ«لنا الله» و«تصدق وإلا أحلفك» و«أشوفك كل يوم وأروح»، وكل تلك الكلمات التي أضافت نكهة مميزة للأغنية السعودية، إذ كتبها بلهجة شعبية بيضاء قريبة من القلب، يستطيع أن يفهمها الجميع، من أهل الخليج إلى أهل المغرب العربي.
أكثر من سبعين عامًا هو مشوار خفاجي مع الكلمة المموسقة.. مع الكلمة الغزلية والوصفية، والكلمة الوطنية التي تستثير بقوتها وصدقها المشاعر الوطنية. حيث أمضى ستة أشهر من عام 1403هـ يكتب كلمات السلام الوطني «سارعي للمجد والعلياء» لتلائم لحن السلام الملكي، فجاءت الكلمات ملائمة للحن، تحمل مضامين المعاصرة والأصالة والدين والوطنية.
لقد تنقل إبراهيم خفاجي بين مدن المملكة وقراها في حياته العملية والمهنية ما أكسبه وعيًا اجتماعيًا متعددًا يضاف إلى وعيه في مرحلة طفولته ومطلع شبابه التي عاشها في مكة المكرمة ما بين بيوتاتها وحاراتها مثل: سوق الليل وأجياد والشامية وغيرها. كما أضاف له عمله مأمورًا للاسلكي بين المناطق تجربة فريدة على صياغة الجمل القصيرة التي تستوفي المعنى. فكان عندما يصوغ كلماته الشعرية كثيرًا ما تأتي «ما قل ودل» حيث تتكثف المعاني الكبيرة في جملة بسيطة وقصيرة مثل: «أشوفك كل يوم وأروح.. أقول نظرة ترد الروح».
تلقى الشاعر، أو كما يطلق عليه جواهرجي الأغنية السعودية، تعليمًا نظاميًا، حيث درس في مدرسة الفلاح في مكة المكرمة، ثم تخرج في الستينيات الهجرية ليبدأ مشواره المهني الذي صقل موهبته الفنية والإبداعية. وبما أن خفاجي رجل اجتماعي، حيث كان بيته مفتوحًا للمواهب الفنية آنذاك، فقد كان له كثير من الفضل في انتشار الأغنية السعودية، ولم تتوقف كلماته عند الفنانين السعوديين فقط، بل تجاوزتهم إلى الفنانين العرب مثل وديع الصافي، وفهد بلان، وهيام يونس وغيرهم.
لقد كانت كلمات خفاجي مثل العلامة المسجلة المحكوم له بالنجاح، وعليها بأن تُتعب ما قبلها من كلمات!